دروس «الأستاذ» والذكاء الاصطناعي

لا يتوقف الجدل المثار حول الذكاء الاصطناعى بعدما أصبح شريكاً للمهارات البشرية يحاول مقاسمتها فى مختلف المجالات.

حالة الجدل المستمر عن منافسة وقدرة الذكاء الاصطناعى على تهميش الطاقات البشرية كانت أحد المحاور التى طرحت للنقاش خلال المؤتمر العالمى الأول للذكاء الاصطناعى، الذى أقيم الشهر الماضى فى جنيف.

احتدام النقاش كان أمراً بديهياً فى إطار وقفة مطلوبة لمراجعة تداعيات هذا التطور العلمى وأثاره على الإعلام، والإبداع، والاقتصاد والمجالات الأخرى.

فى مجال الصحافة والإعلام يحضرنى لقاء سعدت بالمشاركة فيه ومجموعة زملاء مع الأستاذ صلاح حافظ أثناء عملى فى مجلة «روزاليوسف».

لفت الأستاذ انتباهنا إلى عدة نقاط أساسية، سواء فى كتابة الخبر أو المقال.. بل أذكر أنه ركز على أهمية اختيار عنوان يجذب القارئ ويدفعه لشراء نسخة من المجلة قبل ظهور ثورة الاتصالات والمواقع الإخبارية.

الآراء التى تتبنى قدرة الذكاء الاصطناعى على المنافسة فى كتابة المقال تتقاطع تماماً مع أبجديات الصحافة كما نقلها إلينا كبار الكتاب من جيل الصحافة الذهبى، وعلى رأسهم الأستاذ صلاح حافظ، الذى حرص على تحديد عناصر قوة المقال فى كم المعلومات التى تدعم رأى الكاتب وتُضفى عليه مصداقية عند تفنيد الآراء التى يحاول الكاتب طرحها أو الرد عليها، مشدّداً على أهمية حداثة المعلومات.

الأمر الذى يحد من فرص الذكاء الاصطناعى فى كتابة المقال، إذ ما زالت كل المواقع المجانية المرتبطة بهذه الخدمة تتوقف معلوماتها عند أعوام ماضية، بينما تقتصر المعلومة المعاصرة على المواقع مدفوعة الأجر.

المؤكد أن ملكة كتابة المقال لا تقتصر أبعادها على خواطر شخصية.. بل تكتسب تأثيرها كلما اقتربت من هموم واحتياجات أكبر شريحة من القراء، مما يتيح لكتاب المقال تشكيل جسر تواصل معهم عند تحليل وفتح باب النقاش حول القضايا التى تمس المواطن مباشرة، خصوصاً بعد التطور التكنولوجى الذى أحدثته منصات التواصل الاجتماعى، حين يكون للتغريدة تأثير أقوى من المقال، رغم عدم صحة الكثير من هذه الكتابات على «تويتر أو فيس بوك».

الدليل أن معظم الدراسات المتخصّصة أظهرت ارتفاع نسبة عدم الثقة فيها، كونها تستند إلى معلومات مجهلة.

وبالتالى دون دعم المقال بالحقائق والمعلومات الموثقة سيصبح مجرد ناقل لما يُعرض على «السوشيال ميديا».

الحقيقة أن وجهة النظر الموضوعية التى طرحتها الكاتبة الكبيرة فاطمة شعراوى، مدير تحرير «الأهرام»، فى مقالها «الذكاء الاصطناعى والإبداع»، معتبرة أن الذكاء الاصطناعى سلاح ذو حدين لما له من نتائج مختلفة، تبدو أكثر اتساقاً مع الشق التقنى فى مجالات الفنون والإبداع -والأخير يدخل ضمن مقومات كتابة المقال- إذ من المؤكد أن مهارة استخدام تطورات الذكاء الاصطناعى فى إضفاء التقنية العالية عند تنفيذ عناصر أى عمل يضفى عامل الإبهار، لكنه لا يدخل فى عملية خلق العمل أو وضعه ضمن دائرة الإبداع.

أما توقعات اختراق الذكاء الاصطناعى مجالات الإبداع والصحافة لينطلق بلا حدود، أمر لا يبدو واقعياً حدوثه بشكل مطلق.

بالتأكيد هذه الثورة التكنولوجية ستُسهم فى الحصول على المعلومات بكل تقنيات جمع المعلومات التى يختزنها هذا الذكاء واستخلاص البيانات.

كما سيفتح أبواب فرص تطور هائلة أمام غرف الأخبار بالفضائيات والصحف.. لكن يبقى أخيراً عامل الثقافة البشرية هو سيد الموقف عند مخاطبة القراء والاستحواذ على اهتمامهم فى محاولة خلق علاقة تفاعلية معهم.

المقال / لينا مظلوم 

الوطن 

التعليقات