الصراع الفلسطينى الإسرائيلى.. العقدة والحل
وتاريخنا يشهد.. فما قصرنا يوما مع من طلب المساندة والمؤازرة، ولا خذلنا مطلبا لذوى الحاجة أو الفاقة للقريب والبعيد، ولا أعرضنا عن قضية عادلة يوما، ولا تنصلنا من مسؤولية عربية أو إفريقية، ودعمنا وساندنا ونصرنا كل من طلب دعما أو سندا أو استنصرنا على ظالم، سواء كانت مصر قادرة وعفية أو معسرة وساكنة، وفتحنا بيوتنا لمن قصد وسعى ولم نفرط، وأغثنا الملهوف منهم ولم نقصر، ومددنا أيدينا للمستجير ولم نتوانَ، وكسرنا قيود وأسوار المحتل لمن تاق إلى الحرية، وكنا بين ذلك قواما.
ومصر فى تاريخها كله لم تتململ ولم تتألم، بل كانت سخية فى عطائها، كريمة فى فضلها، منذ الأوائل حتى الأواخر، ودافعت عن الأمة كلها وصدت جحافل الصليبيين والتتار وكل المعتدين دون رجعة، وانصهر فيها كل محتل وأعيد تشكيله وتوليفه وعاد من حيث جاء، وفتحت أبواب النهضة والعلوم والثقافة والفنون والمدد من كل لون وطعم للجميع.. وسامح الله من أعان ومن أغاث من الآباء والأجداد دون حساب لجنسيات أخرى حلت ضيوف علينا حتى فاضوا وزادوا وجاروا على حساب الأبناء، وفرغت الخزائن وامتلأت خزائن، وأقفرت الجيوب وطفحت جيوب، وأجهضت الطاقات وعمرت طاقات، وهبط البنيان وتعالَ بنيان، وأحبطت النفوس وغالت نفوس فى غلوها وغرورها، حتى لام الأبناء كرم الآباء والأجداد ولسان حالهم يقول: «هذا ما جناه أبى على من كرمه وجوده، أفقرنا وما كنا له مقرنين».
وما بين أيدينا اليوم من أحداث ووقائع وملمات تستنزف شعوبًا وتزلزل أنظمة وترفع قدرًا وتهيل آخر، وتفزع الجميع من المصير، حتى ما كان فى قدرة طرف ثالث حساب العواقب والملمات وتقدير التداعيات والخواتيم دون تهور!.
وقد يجعل الانقسام الشعبى عند هذا الطرف الثالث ما بين مؤيد ومعارض، القرار صعب وعسير ولا يهدى ولا يرشد، منها مثلا من يرى أننا قد سددنا فواتير الماضى البعيد والقريب ولن ندفع فواتير اليوم دون أن يكون لنا فيها رأى أو مشورة.. فلا تضرب حماس إسرائيل ضربة موجعة دون مراجعة العواقب أو ردود الأفعال وحسابات الربح والخسارة، وتأهيل القطاع لهذه الحرب الشرسة.. وهنا قمة التقصير، ثم نصبح بقدرة قادر جزءا من المشكلة، أو يُفرض علينا الحل، أو يتحول الوطن عند التيار الإسلامى إلى تابع يجرّه مقاتل هنا أو إرهابى هناك، أو نغدو ظلا يسير خلف صاحبه وسيده، ينفخون فينا النار فنُحرق ونُلهب، ويجمدون أطرافنا فنهدأ ونتجمد ونستكين.. فليست هكذا تُدار الأزمات والحروب.
نحن مع المقاومة، إذا أغلقت أمام شعبها سبل السلام والحل العادل، فمن حق المظلوم أن يستعيد حقه، وأن يطارد المحتل فلا ينام ولا يهدأ، ويحطم القيود التى تحاصره وتستعبده، ولا سبيل إلا الموت حتى يسترد أرضه المسلوبة، ثم ماذا ننتظر من شاب نشأ فى ظل الاحتلال والقهر والظلم والحصار والتصفية والاغتيالات ونزع أبسط قواعد الإنسانية عنه إلا أن يكون منتقما وجبارا ومغاليا قدر ما عانى وعذب وشديد الطود والعنفوان.. هذا حق وواجب لا فكاك منه جيلا بعد جيل، إلا أن يكون الأمر مدروسا ومنظما وموجها، وحسابات التداعيات والنتائج مدروسة بدقة، والاستعداد لها داخليا وتهيئة العالم الخارجى للتعاطف والمساندة!.
ولا أتصور أن فتح الحدود على مصراعيها لاستقبال النازحين من غزة كما يتمنى الإسرائيليون وتيار الإسلام السياسى وإقامة وطن بديل جزء من الحل.. فضلا عن الرفض المصرى التاريخى الجارف، إلا أنه ضياع للقضية ونسيانها وطى صفحاتها كاملة، وتصفيتها حتى الثمالة، وتطهيرها وغربلتها، وفخ تستكمله إسرائيل لتصفية الوجود الفلسطينى وتشتيته فى بلاد العالم ليكون آخر محطاته سيناء، وهى خدمة نقدمها على طبق للمشروع الإسرائيلى المحتل يخلى لهم وجه الأرض الفلسطينية.
وليس النصر كما يأملون عند المعتصم حين استصرخته امرأة عربية مجهولة الاسم والعنوان «وا معتصماه»، فبلغت آذان المعتصم، فترك شرابه وفراشه وزحف إلى عامورية، ودهسها دهسا بجحافله وأوغل فيها سيوفه.. ولربما اختلق حكاية هذه المرأة المجهولة حتى يحقق هدفه ومراده من غزو عامورية، وليس الحل عند هارون الرشيد الذى يغزو عاما ويحج عاما، ولربما كان يحج ليغفر له مساوئ عامه السابق، وليس نداء وصراخ «خيبر.. خيبر يا يهود» سوف يحيى جيوشا ماتت منذ قرون.. وليس النصر عند خالد أو عمرو أو ابن السرح أو عند البغدادى أو حتى الخومينى وأولاده وأحفاده، فكلهم كانوا ومازالوا يحجون كل يوم!. فلا حل يرتجى من سطور التاريخ أو حكايات الأجداد التى يعشقها ويلوكها الأبناء.. وهى فرصة غالية بها تستحق إسرائيل تصفية القضية تحت هذا الغطاء الإسلامى، وستجد من العالم من يوافقها ويساعدها، فليست هذه النداءات محمودة السمعة. اتركوا كل معتصم مسلم فى حاله بلا استدعاء، فيستدعون لكم ألف هولاكو ظالم، ولتكن القضية بين كيان مغتصب معتد وشعب مشرد طريد يتوق إلى الحق والعدل، يدافع عن أرضه بالسلم أو بالحرب، إذا ضيّقوا عليه وجرفوه.. قرار فلسطينى فقط، إذا اتفقوا.
«الدولة المدنية هى الحل»
المقال / عادل نعمان
المصرى اليوم