مديحة كامل.. تنبأت لنفسها بالنجومية و"صدفة" سمير غانم في الشارع منحتها الانطلاقة
لعبت الصدفة مع الحظ دور البطولة في طريق الفنانة الراحلة مديحة كامل طيلة مشوارها الفني.
فالنجمة التي تعد إحدى أبرز الجميلات في السينما العربية، كان جمالها اللافت بمثابة المفتاح الأول لانطلاقها إلى عالم الأضواء.
إذ استوقفها الطالب وقتها بكلية الزراعة في جامعة الإسكندرية سمير غانم في الشارع ليمدح جمالها، وطلب منها العمل معه في فقرة غنائية ضمن فرقته "إخوان غانم"، النواة الأولى لفرقة ثلاثي أضواء المسرح، ووافقت الفتاة الشابة التي كانت تحمل في يدها كتبها المدرسية بعدما استأذنت عائلتها.
الحظ الآن يصافح مديحة كامل التي تحل اليوم ذكرى وفاتها، إذ عندما التقت سمير غانم صدفة كان هذا اللقاء بمثابة ترجمة لأفكارها وتخيلاتها التي داعبت عقلها منذ الصغر في أنها ستصبح نجمة شهيرة، حيث كانت تشارك قبلها في فرق التمثيل بالمدرسة وجسدت في أحد الأعمال دور "رابعة العدوية"، ونالت عنه جائزة من المدرسة وسط تصفيق من جميع الحاضرين.
المشهد ذاته تكرر مصحوبًا بحماس طلاب وجمهور جامعة الإسكندرية، عندما وقفت على خشبة المسرح مع فرقة "إخوان غانم"، وحول ذلك قال النجم الراحل في حوارات تليفزيونية عدة: "منذ صعودها إلى المسرح انبهر الجميع بجمالها، لم تكن تحتاج إلى أن تتحدث".
قبل أن يضيف بخفة ظله المعهودة: "لقد جعلتني أقف في الشارع منبهرًا وأغازلها، وأنا الذي لم أفعل ذلك في حياتي مع أي امرأة لا أعرفها".
ملامح جمال مديحة كامل فتحت لها أبواب الانطلاقة الفنية، وباتت الفتاة الشابة التي جاءت إلى القاهرة عام 1962 تفكر في أضواء الشهرة واللقاءات الصحفية وصورها على أغلفة المجلات التي سبق أن تصدرتها في عمر 16 عامًا، حين وُضعت صورتها على غلاف مجلة الكواكب بعد فوزها في إحدى مسابقات جمال الشواطئ، وزاد داخلها اليقين في أنها ستصبح ممثلة مشهورة مع دعم سمير غانم لها الذي كان يشق طريقه هو الآخر نحو النجومية بقوة، وعرّفها وقتها على المخرج التليفزيوني محمد سالم، ثم وقفت أمام كاميرا السينما لأول مرة عام 1964 من خلال فيلم "فتاة شاذة" بطولة شويكار، ورشدي أباظة، وأحمد رمزي، وإخراج أحمد ضياء الدين، الذي منحها في هذا الفيلم دور عارضة أزياء.
مساحة الدور القليلة في الفيلم، منحتها فرصة دخول عالم السينما، لتتوالى أعمالها وتقدم في العام نفسه فيلم "المراهقتان" بطولة سعاد حسني، وفي العام التالي شاركت في 3 أعمال تحمل عناوين "خدني معاك"، و"باسم الحب"، و"العقل والمال"، حتى أسند لها المخرج نيازي مصطفى دورًا بارزًا في الفيلم الكوميدي "30 يوم في السجن"، الذي جمعها بمكتشفها الأساسي سمير غانم، وشارك في بطولة العمل فريد شوقي، وأبو بكر عزت، ونوال أبو الفتوح، والضيف أحمد، وجورج سيدهم.
جسدت مديحة كامل في الفيلم دور "سهير"، وحقق العمل نجاحًا كبيرًا، ليزداد يقين الوجه الجديد بأن قدمها ستطأ أبواب البطولة المطلقة، لكن الحظ اختار أن يعاندها هذه المرة ويحبط نبوءتها الشخصية وتوقعاتها بتصدر أغلفة المجلات الفنية، إذ مرت السينما المصرية بأزمة كبيرة في العام التالي بسبب الظروف وقتها، لتذهب إلى لبنان وتشارك في أعمال قليلة المستوى الفني، وتزوجت هناك أيضًا، ثم ابتعدت عن الفن لفترة قبل أن تعود إلى القاهرة.
ابنة محافظة الإسكندرية التي كانت تحلم بالبطولة المطلقة فوجئت بعد عودتها إلى القاهرة بأن الأدوار التي تعرض عليها لا تغادر شخصيات ثانوية في أفلام تتصدر بطولتها نجمات من نفس جيلها، ومنهن ماجدة الخطيب في فيلم "شقة مفروشة"، وميرفت أمين في "حب وجواز"، لكنها كانت تعقد الآمال دائمًا في غدٍ أفضل، قبل أن يتسرب اليأس إلى قلبها، حسبما قالت في إحدى حواراتها.
"وجدت الجميع يسبقني، بنات جيلي والجيل التالي، الجميع يقدمن بطولات مطلقة، لكن أنا تراجعت، وفكرت في الانسحاب"، كلمات تصف بها مديحة كامل شعورها بعد مرور 7 سنوات من عودتها إلى القاهرة، لكن في نفس الوقت كان المخرج حسن حافظ يبحث في تجربته الدرامية التليفزيونية الأولى "الأفعى" عن ممثلة بمواصفات خاصة تقف أمام يوسف شعبان، ووجد ضالته في مديحة كامل ليحقق المسلسل نجاحًا مدويًا وقتها، ويلتفت مخرجو السينما مرة أخرى إليها، خصوصًا أنها في هذا العمل أثبتت نفسها كممثلة جيدة وليست فقط وجهًا جميلًا.
بعد ذلك النجاح المدوي عام 1977، كان المخرج كمال الشيخ يعاني من رفض النجمات، ومنهن سعاد حسني، بطولة فيلمه "الصعود إلى الهاوية"، إذ خافت من تجسيد دور الجاسوسة "عبلة كامل"، وتوقعت رد فعل سلبي من الجمهور، ليقرر الشيخ إسناد بطولة العمل إلى مديحة كامل، وحقق الفيلم فور صدوره عام 1978 نجاحًا تجاريًا كبيرًا ونال إشادة نقدية، وصافح الحظ ثانية الممثلة الشابة لكن بحرارة هذه المرة.
مضت مديحة كامل في مشوارها الفني وقدمت أعمالًا مميزة في السينما والمسرح والتليفزيون، وإن ركزت أكثر على الشاشة الكبيرة، رغم أن هناك مسلسلات لها حققت انتشارًا عريضًا، ومنها مسلسل "البشاير" مع محمود عبد العزيز، لكنها كانت تؤمن بضرورة أن تكون زيارتها إلى الدراما التليفزيونية وجمهور المنزل خفيفة، على حد قولها في لقاء تليفزيوني.
ورغم تألقها فنيًا، كانت تشعر دائمًا بالخوف من المستقبل، خصوصًا أنها تسمع الكثير من الحكايات عن نجوم انحسرت عنهم الأضواء، وأصبحوا بلا دخل مادي، لذا كانت ترغب في تأمين مستقبلها خصوصًا من الناحية المادية، قبل أن تنسحب من حولها كاميرات المصورين وتلتفت حول موهبة جديدة، لكن مخاوف مديحة كامل لم تكن صحيحة، إذ اختارت أن تبتعد بنفسها عن الشهرة وأضوائها، واعتزلت التمثيل، حتى رحلت عن عالمنا يوم 13 يناير عام 1997، بعد أن حققت شهرة عريضة ولم تتصدر فقط أغلفة المجلات الفنية، بل إنها تركت بصمة مميزة في قلوب جمهورها دفعت محرك البحث جوجل إلى وضع صورتها على صدر صفحته الرئيسية منذ سنوات احتفاء بعيد ميلادها.