هل العرب في حاجة لخطاب عروبي جديد؟
يبدو الاستقطاب المذهبي في الوطن العربي خلال السنوات الأخيرة قاتلاً، أدى إلى سقوط آلاف القتلى وصراعات تؤجج الخلاف ولا تضمد الجراح، لذا فإن البحث عن المشترك بعيدًا عن المذاهب، هو الهدف الذي يجب البناء عليه، فالسياسة والحروب لن يغيرا أمور أيديولوجية استقرت منذ عقود، لذا فإن المشترك هو الحل الذي يمكن أن نبني عليه، هذا المشترك هو القومية العربية في ثوب يتناسب مع معطيات القرن الحادي والعشرين، بعيدًا عن الموروث البعثي الذي أثبت فشله، والموروث الناصري الذي سقط مع هزيمة حزيران يونيه 1967، هنا نستحضر من الذاكرة التاريخية التعايش السلمي لسنوات بين العائلات السنية والشيعية في جنوب العرق، حتى أن زواج السني من الشيعية أو الشيعي من السنية أمر منطقي وبديهي، فما الذي أطفأ نار الصراع الذي احتدم في أول قرنين للهجرة بين السنة والشيعة في جنوب العراق، وجعل التعايش السلمي منهجًا لهؤلاء سوى أن نحى هذا الخلاف ليصبح خلافًا في الرأي أكثر منه خلافًا أيديولوجيا عقائديًا، وجمع بين هذه العائلات الأصول العربية من السماحة والكرم، في حين أنه مع تزايد هجرة الإيرانيين الشيعة بتعصبهم المذهبي خاصة بعد العام 2003 في أعقاب الاحتلال الأمريكي تصاعدت المذهبية كخطاب تقسيمي في العراق.
إن العامل المهم الذي يجب البناء عليه إضافة لتراث التعايش والمشترك اللغوي والقيمي، هو عامل المصالح المشتركة، هذا العامل الذي لو ترك للشعوب لاستطاعت أن تكيفه بعيدًا عن الساسة والدول التي لا تملك أفقًا وخيالاً للبحث عن المصالح المشتركة، فلا شك أن التجارة قبل الحدود الاستعمارية شكلت مصالح مشتركة متبادلة عابرة للحدود، بل نراها اليوم تتحدى الحدود والجمارك في تجارة الجمال الآتية بقوافلها في دروبها التاريخية من السودان إلى مصر، بل إن الامتدادات العائلية من مصر إلى ليبيا ومن مصر إلى فلسطين والأردن والسعودية تُشكل روابط مصالح قوية، أقوى من كل الحدود والسياسات، هذه الصلات يجب العمل على دعما وتوطيدها لتُشكل مستقبلاً أساسًا يُبنى عليه ما نسميه تحالف المصالح العربية العابرة للحدود السياسية.
إضافة إلى ما سبق فإن المصير المشترك يؤدي إلى الحرص من كل طرف على الآخر فبالتالي الاقتتال من أجل مصالح ضيقة يدمر ولا يبني فتنازل كل طرف ولو بصورة نسبية عن بعض المكاسب لصالح الطرف الآخر يؤدي إلى تحقيق مصير مشترك وازدهار اقتصادي ينعكس على الجميع في المنطقة، هذا يتطلب منا جميعًا الاعتراف بالتنوع داخل المحيط العربي، هذا الاعتراف الذي نجحت فيه المغرب حين أقرت للأمازيغ بالحقوق الثقافية واعترفت بالموروث التاريخي والتراثي للأمازيغ، ففرغت صدام قادم كان محتملاً إلى حالة من السلم المجتمعي، يبني لمستقبل أفضل.
الاعتراف بالعلم والحوار سبيلاً للبحث عن مستقبل أفضل للعرب، ذلك لأن حلولنا دائمًا آتية من مناظير سياسية محدودة الأفق، بينما دراسة المشكلات والاعتماد على علم الأنثروبولوجي في تحليلها سيؤديان إلى طرح حلول لواقع قائم ننكره أحيانًا عن قصد، لذا فإن العلم هو مدخل أساسي لحل المشكلات، كما أن إعادة هيكلة وبناء جامعة الدول العربية أمر حتمي، فهذه الجامعة أنشئت وفق مقتضيات تتناسب مع منتصف القرن العشرين، وحان الوقت لكي تتنازل الدول العربية عن بعض مما نسميه السلطة السيادية لصالح الكيان الجديد الذي يجب أن تكون له سلطة حقيقية لا مجازية، نحمل وفقها الجامعة العربية فشلنا في العديد من الملفات، إذ يجب أن يكون لدى الجامعة الأموال والسلطة والإرادة لكي يكون للعرب مستقبل.