اللحظة الحرجة!

القدرة على اتخاذ القرار الصحيح فى اللحظة المواتية، هو الذى يفرق بين إنسان وآخر، تابعنا موقفين شائكين أربعة صينيين مسافرين إلى مدينة أخرى، حملوا معهم 30 كيلو برتقال زائدة عن الوزن المقرر، تستوجب دفع ما يساوى 800 جنيه مصرى وهو أضعاف ثمن البرتقال.

كان عليهم المسارعة باتخاذ القرار، خاصة أنه لم يتبق سوى 30 دقيقة على الإقلاع، إما دفع المطلوب، أو التخلص من البرتقال، أو توزيعه على كل من فى المطار بالمجان، اختاروا الحل الرابع وهو تناول كل هذه الكمية مرة واحدة، مما أصابهم جميعا بالقرحة بالإضافة إلى (فوبيا) البرتقال، فلن يقترب أى منهم، بعد كل تلك المعاناة، لكل ما ينتمى بصلة قربى أو نسب للحمضيات، ارتكاب هذه الحماقة أحالهم وبكل لغات العالم إلى (تريند) فى الغباء.

فى توقيت مواز تابعنا مذيعة نشرة الأخبار الأمريكية التى اضطرت لتقديم برنامجها على الهواء من منزلها التزاما بالإجراءات الاحترازية، فوجئت أن طفلها الذى لم يتجاوز العشرة أشهر يتحرك صوب الكاميرا متجها مباشرة إلى ساقيها فى رغبة منه لكى تحمله، فما كان منها سوى أنها قد استجابت لرغبته، وأشبعت بداخلها مشاعر الأمومة، وأكملت قراءة نشرة الأخبار، وبكل لغات العالم أصبحت (تريند) فى سرعة البديهة والذكاء.

كلنا بشكل أو بآخر نواجه مثل هذه المواقف بتنويعات مختلفة ويصبح علينا الاختيار ما بين الجنة والنار، الفارق فى الاختيار بين الصينيين الأربعة والمذيعة الأمريكية لا أتصور أنه يخضع لفروق اقتصادية أو اجتماعية أو دينية أو ثقافية، هو فقط فارق فى المرونة، وما نملكه من هذا الهامش الذهبى هو ما يمنحنا القدرة على الاستمرار فى الحياة، كلنا فى حياتنا نواجه مواقف مشابهة ليست قطعا بالضرورة برتقالا أو احتياج طفل لحضن أمه، ولكن لحظات مفروضة علينا، وتكتشف ربما أن الفارق بين الحياة والموت يتكئ أحيانا على تلك الاختيارات الحاسمة.

أروى لكم تلك الحكاية الطريفة، كان أمام المخرج الكبير عاطف سالم فى نفس اللحظة عام 1975 إما أن يخرج فيلم (المذنبون) بالقاهرة أو (الملكة وأنا) فى بيروت، وعليه خلال ساعات أن يحسم الأمر، دفعته مشاعره إلى اختيار الفيلم اللبنانى، خاصة أنه سيقابل ملكة جمال الكون جورجينا رزق، وكلما تمعن فى صورتها ازداد قناعة بأن عليه أن يختار (الملكة)، وربما تصور أن الجزء الثانى من العنوان (وأنا) يعود إليه وأنه المقصود بـ(وأنا)، واعتذر عن (المذنبون) الذى أخرجه سعيد مرزوق، فأصبح واحدا من أفضل أفلامنا المصرية، بينما أثناء تصوير (الملكة) تزوج محرم فؤاد من جورجينا رزق التى غنى لها (دارى جمالك دى العيون بصاصة/ دارى جمالك كل نظرة رصاصة)، وعاد عاطف سالم من بيروت مكللا بالهزيمة العاطفية، ومشاعره بالضبط كانت مثل حالة الصينيين الأربعة، قرحة من الجمال و(فوبيا) من النساء.

ولم يكن المخرج عاطف سالم هو الوحيد الذى هام بجمال جورجينا، سبقه الموسيقار فريد الأطرش، فغنى لها بمجرد حصولها على اللقب العالمى مطلع السبعينيات (جورجينا جورجينا/ حبيناكى حبينا)، قبل أن يغيرها فى التسجيل لتصبح (حبينا حبينا)، وخيرا فعل لأنه كان سيجد نفسه يعانى مثل أصحابنا الصينيين، الحياة يا عزيزى اختيارات حاسمة حتى فى تناول البرتقال!!

(المصري اليوم)

التعليقات