(كلوى تشاو).. ثانى مرة أوسكار!
تم تتويج (نوماد لاند) أرض الرحل بالأوسكار، المخرجة الصينية كلوى تشاو حققت إنجازا تاريخيا، فهى ثانى مخرجة فى تاريخ الأوسكار 93 عاما، تحصل على أوسكار أفضل فيلم وإخراج، سبقتها الأمريكية كاترين بيجيلو بنحو عشرة أعوام بفيلم (خزانة الألم).
(نوماد لاند) عن كتاب توثيقى للصحفية جيسكا برود، المخرجة هى أيضا كاتبة السيناريو، وكعادتها فى أفلامها السابقة تولت مسؤولية المونتاج الذى كان هو أحد أهم عناصر الرؤية الجمالية للشريط السينمائى، كما أنها شاركت بسبب حماسها للقضية فى الإنتاج، أتيح لى مشاهدة الفيلم عند عرضه بمهرجان (القاهرة السينمائى).
الأوسكار أقام حفلا نصف واقعى ونصف افتراضى، وبحضور محدود جدا للجمهور، أغلب المشاركين طلب منهم نزع الكمامات ليبدو الأمر أكثر حميمية.
(نوماد لاند) عند عرضه حقق درجة من الإقبال الجماهيرى، برغم كل المعوقات، الفيلم ينفذ بالتحليل إلى منطقة عمرية فى العادة لا تجد السينمائيين فى العالم كله يقبلون عليها، البطلة امرأة ستينية، بلا عمل وبلا زوج وبلا حياة اجتماعية.
الرحلة فى تلك البقعة الصحراوية من ولاية إلى أخرى ليست من أجل اكتساب وظيفة ولا مال ولا زوج، ولكنها تحاول العثور على روحها الحقيقية، حتى لو كان ما تبقى لها فى الدنيا قليلا بمقياس الزمن، إلا أن متعة اكتشاف الذات هى الأبقى والأروع.
الخط العام يقع فى إطار ما يُعرف بسينما الطريق (road movie) وفى العادة تتقابل الشخصية الرئيسية مع العديد من الشخصيات الأخرى، لتسرد لنا من خلال عيونها حكايتها، إلا أن الجديد فى بناء الفيلم أن كل الشخصيات التى التقتها البطلة كانت ترسم أساسا جزءا من ملامحها وحكايتها، حتى السكان الأصليين الذين كانوا رفقاءها بالرحلة على الطريق، كنا نتابع من خلال عيونهم وحوارهم القصير مع البطلة ملمحا يشى بشىء ما كامن فى البطلة ومسكوت عنه، بالفيلم جزء تركته المخرجة أقرب للرؤية التسجيلية، عدد ممن رأيناهم يقفون لأول مرة أمام الكاميرا، وهو ما يلقى على المخرجة مسؤولية مضاعفة للحفاظ على تلقائيتهم، وفى نفس الوقت الحفاظ على (الهارمونية) الانسجام مع الممثلين المحترفين، الممثلة الكبيرة فرنسيس مكدور، الحاصلة أيضا على الأوسكار، رأينا كيف أن سيارتها (الفان) مهيأة للعيش البسيط، وعندما تتعطل تجد أن هناك من يساعد ويمد يد العون.
المخرجة الموهوبة تصنع لوحات شاعرية رغم الأرض القاحلة والشخصيات قليلة الكلام، الموسيقى استخدمتها المخرجة بمنهج التكثيف الشديد، لا تراهن على الكثير من التعمق فى الحكاية بقدر ما نتأمل النفس البشرية التى مهما أوغلنا فى سنوات العمر تظل تبحث عن كيانها.
الشخصيات التى نلتقيها أشبه بومضات سريعة، فهى أقرب للرسم بقلم رصاص، وعليك أن تضع أنت كمتلقى كل الألوان، فى هذا السياق السينمائى لا تنتظر ما هو أكثر من تلك اللمحة التى نعيشها على الشاشة.
إذا كانت أمريكا فى الضمير الجمعى العالمى، وخاصة لدول الجنوب هى أرض الأحلام، فإن من يعيش على هذه الأرض لديهم أيضا أحلامهم المجهضة، صلابة وخشونة الصحراء، كانت هى الحافز لكى نرى كل هذا الجمال، وكل تلك النعومة والشاعرية التى تُطل علينا من الشاشة، نعم انتصرت المرأة، ليس لكونها امرأة ولكن لأنها تستحق، وحصلت عن جدارة كلوى تشاو على ثانى (أوسكار)!!.
(عن المصري اليوم)