وهذا ما كان عليه معاوية

ولا أمانع فى عرض السير الذاتية للعظماء والنبلاء، أو الرؤساء والملوك والخلفاء، إلا أن يكون على عين حياتهم هذا أولا، وثانيا ألا يحكم العرض الهوى أو التحيز، وأن يتجول الكاتب بحرية وحيادية دون فرز أو انتقائية، والأهم أن نضع صاحب السيرة على وصفه التاريخى، فمعاوية رجل دولة وليس رجل دين، وملك وليس خليفة، أقام ملكه على قواعد سياسية لا دينية، تتوافق مع ميوله وأطماعه ونفوذه ودهائه، وتملك وحرض ورشى نفوسا، وحابى وجامل ووهب وساوم وقتل وسجن وقرب وأبعد ما وسعت مساحة ملكه وما قدر عليه صبره وضميره، حتى ثبت أركان حكمه وهذا ما لم يفعله الخليفة على بن أبى طالب، ولهذا انتصر، ولم يختلف معاوية عن خلفاء بنى العباس وبنى عثمان، هذه هى السياسة، وليس هذا من الدين فى شىء، هذا ما كان عليه معاوية، أضعه فى صفوف الساسة ورجالات الدولة.. نعم، أقبله خليفة وإماما وهاديا ونصيرا.. لا، وليس غير.
 
وكنا سنكتفى بما جاء فى مقالنا السابق إلا أن رد الفعل من البعض قد حفزنى أن أكشف وجها آخر للخليفة معاوية، منها أنه قد أسلم عام الفتح، فكيف أسلم أبوه أبوسفيان؟ وقد كان من المؤلفة قلوبهم، وأعطاه الرسول من غنائم هوازن مائة بعير وأربعين أوقية ولأبيه مثلهم، فما تعريف المؤلفة قلوبهم؟ ولما تقدم بعضهم لخطبة فاطمة بنت قيس ومنهم معاوية واستشارت الرسول قال لها: «فأما معاوية فصعلوك لا مال له» وقال عنه فى موقف آخر «لا أشبع الله له بطنا» فهل كان لشح أبى سفيان والذى بسببه اشتكته زوجه هند بنت عتبة عند الرسول، وأذن لها أن تأخذ من ماله سرا دون علمه لتنفق على أولادها، هل كان لهذا البخل أثر فى بذخ معاوية وشرائه الذمم من مال الله الذى أطلق عليه مال المسلمين؟ وتعال معى إلى حكايات «شراء الذمم» من عقيل بن أبى طالب إلى عبيدالله بن العباس، إلى داهية العرب عمرو بن العاص، وباختصار شديد.
 
أما عقيل بن أبى طالب «شقيق الخليفة على» وابن أمه وأبيه!! فقد بلغت ديونه أربعين ألف درهم، وطلب من «على» سدادها عنه من مال المسلمين، فأبى على، فتركه وذهب إلى معاوية الذى احتضنه «ليضم إلى معسكره شقيق عدوه» وأمر له من بيت مال المسلمين بخمسين ألف درهم، فتحرك ومجموعة من صفوف جيش «على» وانضم إلى غريمه معاوية ليلا، وقاتل فى صفوفه، واسمع ما قاله عقيل حين استقبله معاوية فى مجلسه وسأله عن عدوه «على» قال: «تركته على ما يحب الله وآتيتك على ما يكره الله» هذا عن شراء الذمة الأولى أما الثانية «وهم كثر» فهو عبيد الله بن العباس «ابن عم على»!! وأقربهم مودة له، وموضع ثقته وكاتم أسراره، يشتريه معاوية، ويسحب الآلاف من جنوده وأتباعه من صفوف «على» لينضم إلى جيش معاوية ويكشف جيش نصيره وابن عمه، ويقاتل فى صفوف معاوية، الغريب بعد مقتل «على» أرسل إلى ابنه «الحسن» يبشره برغبته فى الانضمام إلى صفوفه فى مواجهة جيش معاوية، ويأبى «الحسن بن على» ثم نقول جهادًا لإعلاء شأن المسلمين فهل تذكرون ما فعله شقيقه عبدالله بن عباس فى أموال المسلمين وهو فى ولاية «الخليفة على» ابن عمه ونصيره؟.
 
أما الأخيرة فهى حكاية عمرو بن العاص، وكانا قد اتفقا على أن يقطع «معاوية لعمرو» مصر والمغرب ضيعة أو عزبة خاصة له ولأولاده من بعده بخراجها وريعها ملكا يتصرف فيها كما يشاء، وكأنه ورثها عن جدوده أو لعبة فى يده وأولاده من بعده، مقابل أن يقف معه ضد «على» فى حربه وينصره عليه بذكائه ودهائه المسن، وكان لمعاوية ولعمرو ما اتفقا عليه، حتى جاء وقت الامتحان حين عز على معاوية سداد رواتب الجند وعطايا القرشيين فلجأ إلى عمرو أن يعينه بخراج مصر ذاك العام، فرفض معاوية وتمسك بشرط الاتفاق ورد عليه بقصيدة من الشعر منها «وما نلتها عفوا ولكن شرطتها» فأسرها معاوية فى نفسه، ولما مات عمرو بن العاص صادر معاوية أمواله كلها، تلالًا من الذهب والفضة والضياع والقصور والخيول والجوارى الحسان، هكذا كان الوصول للخلافة وللحكم.. فبأى حديث تتفاخرون.
 
وأكاد أثق أن تاريخنا ليس بصادق، بل منحول ومنسوخ ومكذوب وملفق، فكانت على هوى صاحبها ما دام فى الحكم قائما، وعلى المشاع بعد وفاته، فما كتب عن الأمويين نحله العباسيون، وما أقامه العباسيون هدمه العثمانيون، وبين هذا وذاك تنافس فى الهدم القرامطة والفاطميون والموحدون والجميع كتبوا وزيفوا ولم يبق لنا إلا تاريخ يحمل الكثير من التبعات وجب الاعتذار عنها والاستبراء منها، إلا إذا كان عند الراوى فضل زاد فليتفضل به علينا، وإنا على الشاشات لمنتظرون!! (الدولة المدنية هى الحل).
 
المقال/ عادل نعمان
المصري اليوم 
التعليقات