الزلازل والكوارث ليست غضبًا إلهيًا

المعجزات والخوارق فى تاريخنا كانت لمرة واحدة فقط ولم تتكرر، لن ترفع بلاء أو تجلب خيرًا أو تمطر ذهبًا ولا فضة، ولن تتنزل علينا مائدة من السماء، ولن تتصارع مع الطبيعة فتبطلها وتضللها، أو تصاحبها وترافقها فترشدها وتصلحها، وإذا نضب الماء وجفت الأرض فلن نستسقى بالعباس كما استسقى عمر عام الرمادة.
 
كما رواها السيوطى (وأرخت السماء عزاليها فجاءت بأمثال الجبال حتى استوت الحفر بالآكام وأخضبت الأرض وعاش الناس)!! ولن يعبر الجنود بخيولهم إلى شاطئ الأعداء على صفحة الماء حين النزال دون بلل إلا حوافر الخيل، كما رواها أبوهريرة عن الفارس «أبوالعلاء الحضرمى» حين أُرسل إلى فتح البحرين وانتهوا إلى شاطئ البحر، إلا أنه لم يتوقف وسمى الله وعبر البحر بجنوده وخيوله وعتاده.
 
وعبروا جميعًا إلى الشاطئ الآخر ولم يبتل منهم إلا حوافر الخيل!! ولن يجرى الماء فى نهر النيل إذا زاد ملء سد النهضة عن معدل الفيضان برسالة من عمر أمير المؤمنين إلى نيل مصر (فإن كنت تجرى من قبلك فلا تجرِ، فلا حاجة لنا فيك.
 
وإن كنت تجرى بأمر الله فإننا نسأل الله أن يجريك)! ولن يشرب السم أحد ولا يموت حتى لو تشبه بخالد بن الوليد، الذى كان يتباهى بشربه السم جهارًا نهارًا مختالًا ولا يموت!! ولأن المعجزة نسج خيال الرواة والحكائيين، وملك صاحبها فقط فلن نراها ولن ترانا، فلا معجزة سوى العمل، ولن تغير الظواهر الطبيعية ناموسها يومًا أو تخلع جلبابها ساعة حتى لو ملأنا الشوارع بالرجاء والدعاء.
 
أيها السادة الأفاضل ارفعوا أيديكم عن الظواهر الطبيعية، فهى لا تخضع إلا لقانون الطبيعة وناموسه الثابت وحساباته الدقيقة وشريعته الراسخة، تسير مسارها فتصيب فى طريقها بيتًا أو مسجدًا أو دار أيتام، ولا تتسمع لأنين الموجوعين من اليتامى فتترفق بهم، ويفلت منها من كان بعيدًا عن مسارها خمارة أو ماجورًا، ولا يستفزها ويحرضها آثام وذنوب العصاة المذنبين، معصوبة العينين فلا تتحسس المؤمنين فتحيد عنهم.
 
وتترقب العصاة المذنبين فتصيبهم، فليست الكوارث والمحن غضبًا من الله، أو انتقامًا إلهيًا، تُسيرها الشياطين وترجمها على القوم المجرمين، فلا دخل لهؤلاء فى الأمر فهم نيام منذ قرون، ولو كانت المصائب والكوارث على قدر الآثام والذنوب والمعاصى لكان لغيرنا النصيب الأوفى، ولو كان النعيم على قدر التقى والورع والإحسان وإقامة الشعائر لأخذنا نصيب الدنيا كلها ووقف الجميع على أبوابنا يمدون الأيادى للقليل.
 
إياكم ورد الأمر لغير صاحبه، أو البحث فى أضابير التراث عن حكاية أو رواية أو خارقة من خوارق السلف لا كانت ولن تكون، فيخرج من يهين عقولكم ودينكم، وينعت تاريخنا كله بالأباطيل والخرافات، بل ويعتزلنا أولادنا ويهجرنا عقلاؤنا ويُعرض عنا القريب والغريب.
 
الظواهر الطبيعية من زلازل وبراكين وأعاصير يخضع فهمها للمنهج العلمى ليس غيره، بعيدًا عن تفسيرات مجتمعات الخرافة والغيبيات والأباطيل، والتى تقف على العتبات فى انتظار خوارق الأجداد، وتستبعد العلم فى تفسير الظواهر واتخاذه منهجًا للحد من آثارها وتداعياتها، والتعامل معها برفق وبمنهجية علمية لاجتناب الصدام العنيف معها، أو التنبؤ بحدوثها ومراكزها والابتعاد عن مساراتها لتقليل حجم الخسائر والأضرار والقتلى.
 
لا نشك لحظة أن بعض هذه الظواهر له علاقة بسلوك الإنسان، لكن ليس سلوكه الأخلاقى، سواء كان خيرًا أم شرًا، بل فى تعامله مع الطبيعة والاعتداء عليها وإخلاله بمبدأ التوازن البيئى نتيجة الثورة الصناعية الهائلة وتلوث البيئة، وتأثيره البالغ على الغلاف الجوى نتيجة استخدامه المفرط فى توليد الطاقة، والتوسع فى الصناعات الكيماوية وتكرير البترول واستخراج المعادن وقطع الأشجار واستخدام المبيدات الحشرية نتيجة التوسع الزراعى وتجريف التربة.
 
والتخلص من النفايات ومخلفات الأنشطة الصناعية، هذا التعامل تحتاج الطبيعة إلى ضبطه، والتعامل معه بمعادلة متوازنة، تضمن تآلف حركة الظواهر الطبيعية وتوازنها وضبط انفعالاتها وردود أفعالها، وهذا هو رد الفعل مع هوس الطبيعة، وإلا كلما جار الإنسان وتجبر عليها وعسف بها جارت عليه وتجبرت وعسفت به وبأولاده.
 
أيها المفسرون والمحللون والشامتون، لو كانت المحن والبلايا والفواجع جراء الزلازل والبراكين والعواصف عقوبة العصاة والمذنبين ما أصاب المؤمنين منها سهم واحد، وما سقطت الرافعة من شدة العواصف والرياح على عمار بيت الله الحرام التائبين، وما تساقط آلاف فى رمى الجمرات من تدافعهم لإقامة الشعيرة وهم زوار الله وأحباؤه.
 
أليس بيت الله أولى بالأمان وحجاجه أولى بالرعاية، تحفظهم الملائكة من الرياح فى بيته وتحيطهم فى أماكن مناسكه وشعائره؟ إلا أن الأمر غير هذا، ببساطة من خالف القواعد العلمية هلك وإن كان ساعيًا إلى الخير، ومن التزم نجا وإن كان ساعيًا إلى الشر..
 
(الدولة المدنية هى الحل).
المقال/ عادل نعمان 
المصري اليوم
التعليقات